قياس المسافات الكونية للنجوم
” طرق قياس مسافات النجوم تأتي بطرق قديمة وحديثة ، وهى في النهاية أساليب احتساب رياضية وفلكية وفيزيقية يستخدمها العلماء لرسم خريطة الكون المحيط بالأرض. سنتعرف بشكل موجز لأهم تلك الطرق المعتمدة عالميا في حساب مسافات النجوم”
النجوم المتفجرة نوع هام من أنواع النجوم التي تستخدم كمقياس كوني لقياس المسافات
في الآونة الأخيرة عكف علماء الفلك على اكتشاف ثلاثة نجوم تدعى ” السوبرنوفا supernovas” على مسافة من خارج مجرتنا مع كتلة عنقودية ضخمة من نجوم المجرة تقع بيننا وبين تلك النجوم، الجاذبية الهائلة للمجرات تعمل على تضخيم الضوء الصادر من النجوم المتفجرة ويسمي هذا بظاهرة عدسات الجاذبية ” gravitational lenses “. و لأن هذا النوع من النجوم المتفجرة (exploding star ) يمكن استخدامها كمقاييس معياري كوني. وهذا يعني أن علماء الفلك قادريين على التحقق من الفرضية من خلال عدسات الجاذبية. هذا أمر مهم لقياس بنية الكون (بما في ذلك المادة المظلمة)، وخلق معايير و أدوات قياس تجعل الفلكيين متأكدين من قياساتهم بشكل صحيح.
لقد وجد العلماء من جامعة Rutgers أن نجوم supernovae يمكن استخدامها مثل مخطط العين البشرية كونها ذات تركيبة عنقودية في تقدير نسبة سطوع شعاعها وقياسها مستقل عبر تكبير العدسة.
ولكن ما هو المقياس الكوني؟
كيف يمكن للفلكيين قياس المسافات الطويلة والتي لا يمكن تصورها بين النجوم والمجرات الأخرى ؟ أنهم في حاجة إلى مجموعة كاملة من القياسات، وهذا يتوقف على مدى تصورهم للوضع والمسافات من كوكبنا. فالقياس المدرج يساعدنا على القياس بالبوصات بينما يكون التحرك على مدرج المقياس بعدة أقدام ، لذا فان علماء الفلك يستخدمون أدوات مختلفة لمستويات مختلفة من القياسات المدرجة. ويسمي جناح المقياس سلم المسافة الكونية والتي تستخدم فيها تقنية المعلومات بشكل أكثر تطور من الماضي وجميع تلك الطرق تستخدم فيزياء الضوء.
وحدات القياس الكونية
تعددت وحدات القياس الفلكية التي يستخدمها الفلكيون فالوحدة الفلكية (Astronomical Unit) لقياس المسافات بين كواكب المجموعة الشمسية والشمس ، إما السنة الضوئية (Light Year) فهي المسافة التي يقطعها ضوء نجم معين بمقياس سنة أرضية تقدر بنحو 300 ألف كيلومتر في الثانية (أي خلال 365.25 يوم أرضي) وتعادل 10 مليون x مليون كيلومتر.ومن وحدات القياس الفرسخ (Parsec) وهو المسافة التي يبعدها نجم ما بحيث يكون معامل اختلافه الظاهري (Stellar Parallax) تقاس بالثانية القوسية الواحدة (Arc Second ) والتي تعادل 3.26 سنة ضوئية. السطوع (Luminosity) من وحدات القياس التي تحسب مقدار الطاقة التي يطلقها نجم ما مقارنة بسطوع شمسنا الذي يقدر بنحو4×1026 وات والتي تعكس للفلكيين استهلاك النجم للوهج المنبعث منه من تحويل الهيدروجين إلى هيليوم بالتفاعل النووي وعند تحديد سطوع نجم ما نتمكن من معرفة نصف قطرة وبعده عن الأرض من خلال قانون التربيع العكسي للفوتونات.
جيراننا من النجوم
يقوم الفلكيون بقياس النجوم القريبة في درب التبانة بواسطة علم المثلثات البسيط وهو أحد فروع علم الرياضيات ، عندما تتحرك الأرض حول الشمس فان مواقع بعض النجوم تتغير في السماء بنسبة تختلف بين النجوم القريبة للنجوم الأكثر بعداً ويسمي هذا بالمنظر” parallax”. عيوننا تستخدم نفس الحيلة لتعطينا تصور أعمق ويمكن اختبار ذلك عند رؤية بقعة أو نقطة على حائط ثم نقوم بنصب الأصبع السبابة أمام العينين ونقوم بإغلاق العين اليمني تعطينا العين أليسري موقع معين بمحاذاة الأصبع وعند إغلاق أليسري وفتح اليمني تعطينا موقع مختلف عن العين أليسري وموقع مغاير من موقع الأصبع السبابة وكلاهما تنظران لنفس البقعة أو النقطة التي على الحائط ، بالنسبة لعلم الفلك نحتاج أولا معرفة المسافة بين الشمس والأرض والتي تعطينا حجم المدار ، هذا القياس يشكل الجزء السفلي من مثلث متساوي الساقين. ثم يمكن قياس موقع النجم النسبية على فترات لمدة ستة أشهر حيث يمثل الفرق الموقع الحقيقي على السماء لمثلث خاص بالنجم .فزاوية المركز للمثلث هو المنظر وبمجرد قياس ذلك يمكن معرفة طول جانبي المثلث الخاص بذلك النجم بمعني مسافة النجم وبعده من الأرض. هذه الطريقة تطبق للنجوم القريبة نسبيا ولكن النجوم البعيدة والتي على مسافات كبيرة تكون زاوية المنظر صغيرة جدا وتكاد تزول، ويمكن قياس أبعد نجمة بحوالي 326 سنة ضوئية من المدار حول الأرض ويشمل مجال 1600 سنة ضوئية كافة النجوم المجاورة لنا مباشرة كما يشمل نجوم أخرى ليست قريبة من المجرة بأكملها ناهيك عن الكون و أبعد من ذلك المجال نكون بحاجة إلى استخدام طريقة أخرى تعتمد على الضوء.
الوحدة الفلكية هي متوسط المسافة بين الأرض والشمس وتحسب بالسنة الضوئية (السنة الضوئية الواحدة تعادل63241 وحدة فلكية) وقد اعتبرت السنة الضوئية وحدة قياس رسمية عام 1958 لقياس المسافات داخل النظام الشمسي ومع بقية النظم الشمسية.
النجوم عبر المجرة (Stars Across the Galaxy)
في عام 1908 قامت العالمة الفلكية Henrietta Leavitt بكلية هارفارد بدراسة صورة فوتوغرافية ملتقطة بمرصد الكلية وذلك للبحث عن النجوم المتغيرة (variable stars) وهي النجوم التي تتغير في السطوع على مدى ساعات أو أسابيع بفعل ارتفاع درجات الحرارة لغاز الهيليوم وتوسعه ثم يبرد، ومن خلال دراسة المتغيرات في سحابة ماجلان الصغيرة برزت صلة واضحة بين سطوع نجم ومدته أو بمعني كم من الوقت استغرق لسطوعه وتسمي هذه النجوم بمتغيرات Cepheid واكتشافها ساهمت في تمكين علم الكونيات كما تعرفه في وقتنا المعاصر.
النجوم البعيدة تبدو خافته
السبب في أن النجوم البعيدة يبدو ضوئها خافت لان ضوءها ينتشر انتشارا واسع وهذا وفقا لقانون التربيع العكسي (inverse square law) للفوتونات لذلك فالفرضية أن تكون مشرقة مهما كانت بعيده، عالمة الفلك Leavitt وجدت انه بالإمكان معرفة مدتها من خلال إشراقها وللتأكد من معايرة هذه الطريقة بشكل صحيح يتم ربط السطوع بالمسافة الفعلية بعامل يدعى دلتا Cepheid لذا يستخدم علماء الفلك دلتا Cepheiوهو قريب بما فيه الكفاية للقياس مع المنظر. وهي طريقة حاسمة لتحقيق مفهوم الشمعة القياسية “standard candle” وهي نجوم ثابتة ذات سطوع دائم والتي تقاس عليها متغيرات Cephid وهي في الواقع معيار في كل مكان، وفي عام 1950 قدم الفلكي Walter Baade طريقة حساب بعض من النجوم المتغيرة المجاورة بواسطة نجوم Cepheid مهما كانت مختلفة الأنواع وبعيدة من نجوم Cepheids في مجرات أخرى. وهذا يعني أن الفلكيين لن يتمكنوا من المقارنة المثل بالمثل وذلك يعني أن نجوم Cepheids بعيدة في الواقع و أبعد بكثير من تخيل أي شخص”تخضع لنظرية تضاعف حجم الكون”.
المجرات البعيدة (Distant Galaxies)
يمكن للعديد من الشموع القياسية الأخرى (النجوم الثابتة ) قياس المسافات داخل مجرتنا ويمكن أن تكون معيارية بطرق مختلفة ولكن أبعد من مقاييس المجرة وعلى أجسام خارج مجرة درب التبانة، علماء الفلك يعتمدون كثيرا على النجوم المتفجرة.فان Supernovas تأتي بالعديد من الأشكال والأحجام ولكن واحدة منها على وجه الخصوص ممن تمثل الفئة الأولي من تلك الأشكال قد تكون مقياس معياري للمقاييس الكونية.
الانفجارات النجمية تحدث في النظم الثنائية حيث يبدأ نجم قزم أبيض مفرغ ماديا من الاندماج مع نجم قزم أحمر ينتج من تفاعل الاندماج النووي تفتتهما لقطع صغيرة.هناك حجم محدود ومعين جدا يحدث بهذه الصورة لذلك فان السوبرنوفا من هذه الأنواع تقريبا بنفس الكتلة وهو ما يعني أيضا نفس الإشراق والسطوع وعند مقارنة السطوع النسبي بين تلك النجوم يمكن معرفة أبعادها. وهذا يعني أن السوبر نوفا “الفئة الأولي” نستخدم لقياسها الشموع القياسية وعلى مسافات أبعد بكثير من متغير نجم من نوع Cepheid .
اكتشاف السوبر نوفا هابل
اكتشاف سوبر نوفا هابل دفعت العديد من الفلكيين من تقديم ورقة بحوث للفئة الأولي للسوبر نوفا والتي تمثل الشموع القياسية و يمكن استخدام عدسة الجاذبية لقياسها والتي تساعدنا على إلقاء بعض الضوء على المادة المظلمة و الطاقة المظلمة. وقد وجد العلماء ثلاثة من السوبر نوفا هي (nicknamed Tiberius, Didius, Caracalla) والتي تضخم الجاذبية من مختلف النجوم العنقودية للمجرة الضخمة ومقارنتها مع النجوم الجوهرية ذات السطوع العالي (brightnesses) وهذه النجوم المتفجرة تكون أكثر إشراقا وتتأثر بكميات من مواد متعددة بما فيها المادة المظلمة التي يسافر ضوءها نحو الأرض ويعتقد العلماء سبب الإشراق تعتمد على مقدار تدفق المادة في مساراتها والتي يعتقد أنها وصف لما يحدث من وصفات في عدسة الجاذبية فالوصفات تعطي الفلكيين قياسات هذه المادة داخل عناقيد المجرات. و هذه تساعدهم على دراسة كيفية تفاعل الجاذبية والطاقة المظلمة لتشكيل هياكل كونية على نطاق واسع من الكون. ويقول عالم الفلك مثل Jean-Paul من سويسرا “كلما حصلنا على نماذج عنقودية معقدة تكون صحيحة البنية فانه يمكننا الاعتماد عليها واستخدامها للتحقق من بداية الكون” و كل ذلك بفضل سلم مسافة الكونية والشموع القياسية.
خلاصة القول في طرق قياس المسافات بين النجوم
الطريقة التقليدية تعتمد على دوران الأرض حول الشمس وتغير مواقع النجوم كل نصف سنة (6 شهور) وتغير زوايا رؤية النجم ثم قياس طول الضلع اعتمادا على زاوية المنظر الموضحة سابقا و بمعلومية المسافة بين الأرض والشمس يتم قياس المسافة بين نجم ما من أرضنا ، ولكن هناك طرق معقدة لقياس المسافات بين النجوم البعيدة التي توجد على مجرات أخرى تعتمد هذه طرق حديثة للاستدلال منها دراسة الطيف الضوئي للمجرة ومدي انحرافه نحو اللون الأحمر، وقياس درجة الانحراف وشدة الإضاءة وغير ذلك من الدلالات التي يستطيع العلماء من خلالها معرفة بعد الأرض عن المجرات. النجوم المتغيرة (التي تتغير اضائتها ) نتيجة شدة احتراقها لذا يتم مقارنتها مع نجوم معروفة تدعي الشموع القياسية فهي ذات إضاءة ثابتة يمكن قياس مسافتها. قياس المسافات للنجوم غير ثابت فالكون غير ثابت عموما وهو في توسع مستمر بفعل الانفجار الكبير وبالتالي فالنجوم تسير بسرعات عالية جدا ، لذا فلعلماء يعملون باستمرار على تصحيح القياسات بشكل دوري. فموقع نجم مثلا (x) يكون قد تفتت وانتهي ونحن مازلنا نرى ضوئه الذي يسافر ألينا لذا فنحن نحدد مواقع النجوم وليس حقيقة وجودها وهنا تتجلي هذه الحقيقة في القران الكريم فيقول الله تعالي: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الواقعة: 75-80.