العالم فى عصر المعلومات والبيانات الضخمة
كتبت / نورهان سامي “باحثة بمجال تقنية المعلومات
الجميع يظن أن البيانات تخزن فقط فى قواعد بيانات لتصبح مجرد أرشيف ، لكن اليوم لا يوجد شئ يسمى أرشيف ، فكل البيانات الصغيرة صارت تستخدم لغرض ما ولم تعد صغيرة ، أصبحت تسمى ” البيانات الضخمة Big Data “
فمنذ آلاف السنين والإنسان يحاول أن يدون كل تفاصيل حياته بطرق مختلفة مثل الرسم على جدران الكهوف ونحت الرموز على الصخور ، إلى أن وصل إلى الكتابة أولا على الورق والآن فى الفضاء الإلكترونى ، فقديما كان يتم تخزين البيانات على ما يسمى “بالفلوبى ديسك ” ثم انتقلنا إلى” CD ” ثم ” الهارد ديسك ” ثم تطورنا إلى ” ذاكرة الفلاشة ” حتى وصلنا اليوم إلى عصر التخزين السحابى أى تخزين المعلومات فى مكان فى الإنترنت مثل Google drive ، وغيرها من المواقع التى تحولت إلى خزائننا الخاصة لكنها ليست فى منازلنا ولا هواتفنا بل فى مزارع من الحواسيب العملاقة التى بها مساحات تخزين هائلة ، والتى أعطتنا القدرة للوصول للمعلومة فى أى وقت ومن أى مكان وأعطت الفرصة للشركات أيضا لتقرصن حياتنا .
ومنذ فجر التاريخ وحتى عام 2003م انتجت البشرية 5 مليارات جيجا بايت من البيانات على شكل رسومات وكتابات وموسيقى ، أما فى عام 2011م تم إنتاج 5 مليارات جيجا بايت فى يومين فقط ، وفى عام 2013م تم إنتاج 5 مليارات جيجا بايت كل 10 دقائق ، ومن هنا نستنتج أن 90% من البيانات الموجودة اليوم انتجت خلال عامين فقط .
لكن التساؤل هنا من ينتج كل هذه البيانات ؟
فقبل ظهور الإنترنت كانت المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة هم أكثر من ينتج ويخزن ويحلل البيانات (وثائق – معاملات مالية – ملفات شخصية) ، أما اليوم من ينتج البيانات هم أشخاص عاديين كبارا وصغارا جميعهم يشاركون فى هذا التراكم المعلوماتى الهائل وفى تضخيم البيانات بطريقة تذهل العقل ، اليوم مستخدمى الإنترنت والهواتف الذكية أكثر من 3 مليارات إنسان ، فى الدقيقة الواحدة يرسلون 200 مليون إيميل ، يغردون كل ساعة فى توتير 20 مليون تغريدة ، يرفعون فى اليوم 100 ألف ساعة فيديو على اليوتيوب ، لو قمنا بتجميع كل هذا خلال ساعة واحدة فقط نستطيع أن نملأ 10 مليارات قرص DVD والتى قد يصل إرتفاعها 90 كم ، على العلم بأن الطائرة عندما تسافر من مدينة لآخرى فإنها تصل إلى إرتفاع 12 كم .
فالبيانات اليوم تحاصرنا من كل جهة ، فكيف نتعامل مع هذا الكم من البيانات وكيف استفاد العالم منها ؟
فمع بداية الألفية بدأت الشركات العملاقة مثل جوجل تعانى من تكدس البيانات فى قواعد بياناتها ، مما يؤدى إلى بطء عملية استرجاع المعلومات من محرك بحث جوجل ، ومن هنا قامت شركة جوجل بتقسيم تلك البيانات إلى أجزاء ، وتخزين كل جزء فى سيرفر مستقل ، فمثلا مصطلح ” الهواتف الذكية ” يقسم إلى أجزاء منها مواصفاتها وأنواعها وامكاناتها ، وكل جزء مخزن فى مكان مستقل عن الآخر ، فعندما يقوم الشخص بالبحث عن الهواتف الذكية يقوم المحرك بتجميع كل تلك البيانات فى أقل من الثانية ، وهذا النظام يسمى ” Hadoop وهو برنامج تستخدمه كبرى المواقع والشركات العملاقة لإدارة بياناتها الخاصة
وكذلك محلات بيع المواد الغذائية تشهد خلال اليوم آلاف العمليات الشرائية ، فهل تعتقد أن الأفراد يقومون بالشراء وبذلك انتهت العملية ، ليس ذلك فقط ، ولكن هناك ما يحدث عند الدفع بالبطاقات الأئتمانية ، حيث تقوم شركات متخصصة بجمع بياناتك وتحليل نمط تسوقك من خلال الفواتير ، وتكون عنك ملف شخصى بعملياتك الشرائية ومن هنا تصلك رسائل وعروض ترويجية تصب فى صميم حاجتك .
كذلك عندما يقوم الأشخاص بكتابة حالة الطقس على مواقع التواصل الإجتماعى ، هل تتصور أن تقوم بعض برامج الطقس بجمع هذه البيانات من الأشخاص ثم تستخدمها فى تحديد حالة الطقس فى المنطقة الموجود بها الشخص وتقارنها بالبيانات التى تصلها من عدة أجهزة ومجسات ، وبهذه الطريقة صار تحليل الطقس المبنى أساسا على بيانات تجمعها مجسات الحرارة والطائرات والأقمار الصناعية أكثر دقة .
وهناك أيضا كميات كبيرة من البيانات الضخمة تنتجها المؤسسات الطبية من مستشفيات وعيادات ومختبرات ، كل هذا يذهب إلى برامج تقوم بتحليل تلك البيانات بدقة ، فبفضل البيانات الضخمة اليوم أصبح بإمكان كل مستشفى تكوين ملف طبى شامل عن كل مريض ، وأيضا بفضل تطور أنظمة إدارة البيانات الضخمة ، أصبح بإمكانها تخزين وتحليل بيانات المريض بدقة عالية جدا ، وهذا يمكن الفرق الطبية من إنقاذ بعض المرضى فى الحالات الحرجة وفى الطوارئ .
لقد أصبحنا نعيش فى عصر كل شئ فيه مسجل من تفاصيل حياتنا اليومية ، كل هذه البيانات الهائلة تجمعها الشركات الكبرى مثل جوجل وتوتير وفيسبوك وأبل وغيرها ، وتستخدم معلوماتك الخاصة فى أبحاثها ودراستها وكذلك فى تشكيل أفكارنا وقناعاتنا .