العرب خارج العصر.. حتى أشعار أخر ؟؟؟
(1)
في عصر الشبكات الفضائية العملاقة المستبدة بسماء البث الرقمي أصبح الإنسان كائناً إعلامياً يرسف في أغلال الشبكات الإعلامية والإخبارية والتي تفترس بوحشية عقول وسلوكيات الإفراد والجماعات وتوجهها كيفما تشاء.. حيث تمارس أربع شبكات عالمية أبشع صنوف الاحتكار الإعلامي من خلال سيطرتها على حوالي 90 % من فيض الأنباء التي تذاع يوميا ومن بين 35 مليون كلمة تبث يوميا يتم بث 32 مليون كلمة عبر أربع وكالات هي أسوشيتد برس 17.5 مليون كلمة و يونايتد برس 11 مليون كلمة وفرانس برس 3.5 مليون كلمة ورويتر 1.5 مليون كلمة …. مع الإشارة هنا إلى إن ثلاثة أرباع الأنباء التي تذاع في العالم الثالث تأتى عبر هذه الوكالات ؟؟
ومع تمدد الكون الرقمي والبصري أضحى العقل البشري عاجزا عن استيعابه ومواكبته، إذ أنه ثمة ما بين 76 مليون مقالة علمية تصدر كل سنة، في أكثر من 50 ألف مجلة متخصصة.. ثم إن محرك البحث (ياهو) يحتوي على ما يناهز مليار وثيقة، بوتيرة وثيقة كل ثانية، ولو أراد الفرد تعدادها لتطلب منه الأمر خمسين سنة أو أكثر..هذا الإغراق المعلوماتي والفضائي له سلبيات مشابهة للاحتكار المعلوماتي، إذا تفقد القدرة على الاختيار والترجيح في حاله الإغراق التي تغري باللهث والجري خلف (معلومات سرابية) لايمكن الوصول إليها بسهولة.
وخلال العام 2011م بلغ حجم الكون الرقمي 1.8 زيتابايت1800) أكسا بايت( وهو مايعادل 200 مليار فيلم عالي الدقة (كل واحد منها يمتد لساعتين من الوقت) تتطلب من الشخص الواحد 47 مليون سنة لمشاهدة كل فيلم على مدار اليوم ..ويساوي كمية المعلومات اللازمة لملء 57.5 مليار من أجهزة أبل آي باد بسعة 32 غيغابايت… الخ.
ان وراء النمو المستمر للكون الرقمي والطوفان المعلوماتي.. تقف الاستثمارات التي تصل قيمتها إلى 4 تريليونات دولار…وتحركها تكنولوجيات (ترويض المعلومات) التي تقوم بخفض تكلفة إنشاء وجمع وإدارة وتخزين المعلومات حتى السدس مقارنة بما كانت قبل خمس سنوات. وبالمقابل، فإن نصيب الصناعة الإعلامية والترفيهية والاتصالات استحوذت عام 2011م على 50% من حصة الكون الرقميّ.
(2)
لقد تحولت الصورة في عصر المجال التلفازي .. بحضورها الكثيف وتأثيرها الطاغي ليس إلى مجرد أداة للتفكير بل للتضليل أيضا.. وأداة لصنع عالم متخيل ينوب عن العالم الحقيقي.. عالم يختلط فيها الواقع بالخيال ويكون (الزمن الافتراضي فيه سابقا على الزمن الواقعي) ومعه باتت الصورة من أكثر الأدوات نفوذًا ومكرًا التي تمارس لإعادة الصياغة الثقافية للبشر تبعًا لإرادة صانعي الصور ومروجيها… ليس ذلك فحسب بل تمتد إلى صياغة ثقافة استهلاكية جديدة هي ثقافة ترفيهية ومتعية.. ثقافة البطن والجنس والعنف والعالم الوردي الذي يجعل من جميلات الشاشة ومغنيات البوب والروك وشاربات الكوكا كولا وأبطال الرياضة هم أبطال هذا العصر بلا منازع.
وفي ظل هذه الدكتاتورية البصرية المرقمنة التي تحتكر سماء الكون وتقوم بعملية تزييف جماعي لعقول المليارات من البشر والتي باتت عاجزة عن التمييز بين الغث والسمين بسبب التدفق الهائل للمادة الإعلامية وعجز فقراء التكنولوجيا عن مسايرات هذا القطيع الفضائي الالكتروني الذي يسحق كل مايعترض طريقة.. أضحت صناعة الإعلام الرقمية من الصناعات الثقيلة وتحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة تعجز أي دولة نامية منفردة عن توفيرها أو رصدها لمجارات هذا الطوفان الفضائي.. وهكذا سنجد ان لعنة الاستيراد والاستهلاك تطارد العرب في الفضاء والأرض.. ومثلما يستوردون أبر الخياطة وطائرات الإيرباص تستورد محطات التلفزه العربية الإسلامية مابين 40 -60%من برامجها من الدول الغربية، ويحتل الإنتاج الأمريكي 80 %من مجموع البرامج المستوردة.
وعليه: فمالم نسارع إلى تبني مشروع ثقافي ومعرفي ذو منطلقات قومية ووطنية يستهدف كبح جماح هذا الاجتياح الفضائي الهائج.. فسنكون أول ضحايا ديناصورات الحديقة الجوراسية والقطيع الالكتروني ذو القرون الحادة الذي يدهس في طريقه شعوب وقارات وتراث… ومادام عصرنا مازال هو عصر الكلام والهذيان منذ أقدم العصور وحتى اليوم .. ومادمنا نستورد التقنية ولانصنعها ونستهلك المعلومات ولا ننتجها فنحن خارج العصر الرقمي والمعلوماتي حتى أشعار أخر ؟؟؟